فصل: تفسير الآية رقم (26):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (25)}
دعاهم إلى دار السلام، وفي الحقيقة دعاهم إلى ما يوجب لهم الوصول إلى دار السلام؛ وهو اعتناق أوامره والانتهاء عن زواجره. والدعاء من حيث التكليف، وتخصيص الهداية لأهلها من حيث التشريف.
ويقال الدعاء تكليف والهداية تعريف؛ فالتكليف على العموم والتعريف على الخصوص.
ويقال التكليف بحقّ سلطانه، والتعريف بِحُكْمِ إحسانه.
ويقال الدعاء قوْلُه والهداية طَوْلُه؛ دَخَلَ الكلُّ تحت قوله، وانفرد الأولياءُ بتخصيص طَوْلِه. دار السلام دار الله لأن السلام اسم مِنْ أسمائه.
ويكون السلام بمعنى السلامة فهي دار السلامة أي أهلها سالمون فيها؛ سالمون من الحُرقَة وسالمون من الفُرقة؛ سَلِموا من الحرقة فحصلوا على لذة عطائه، وسَلِموا من الفُرْقَة فوصلوا إلى عزيز لقائه.
ويقال لا يصل إلى دار السلام إلا من سَلِمَتْ نَفْسُه عن السجود للِصَنَم، وسِلَم قلبُه عن الشِّرْكِ والظُلم.
ويقال تلك الدار درجات؛ والذي سَلِمَ قلبُه عن محبة الأغيار درجتُه أعلى من درجة مَنْ سَلِمَتْ نَفْسُه من الذنوب والأوضار.
ويقال قوم سلمت صدورُهم من الغِلّ والحسد والحقد؛ وسَلِمَ الخْلقُ منهم، فليس بينهم وبين أحدٍ محاسبة، وليس لهم على أحد شيء؛ «فالمسلم من سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده، والمحسنُ من سَلِمَ الخْلقُ بأجمعهم من قلبه».
{الْصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}: طريق المسلمين، فهذا للعوام بشرط علم اليقين، ثم طريق المؤمنين وهو طريق الخواص بشرط عين اليقين، ثم طريق المحسنين وهو طريق خاص الخاص بشرط حق اليقين؛ فهؤلاء بنور العقل أصحاب البرهان، وهؤلاء بكشف العلم أصحاب البيان، وهؤلاء بضياء المعرفة بالوصف كالعيان، وهم الذين قال صلى الله عليه وسلم فيهم: «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه». اهـ.

.قال التستري:

قوله تعالى: {والله يدعوا إلى دَارِ السلام وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} قال: الدعوة عامة والهداية خاصة، فإنه رد الهداية إلى المشيئة وهي سابقة القدر من الله تعالى. اهـ.

.تفسير الآية رقم (26):

قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26)}

.من أقوال المفسرين:

.قال البقاعي:

{للذين أحسنوا} أي الأعمال في الدنيا منهم وهم من هداه {الحسنى} أي الخصلة التي هي في غاية الحسن من الجزاء {وزيادة} أي عظيمة من فضل الله فالناس: مزيد خرجت هدايته من الجهاد {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} [العنكبوت: 69]، ومراد خرجت هدايته من المشيئة، فالدعوة إلى الجنة بالبيان عامة، والهداية إلى الصراط خاصة لأنها الطريق إلى المنعم.
ولما كان النعيم لا يتم إلاّ بالدوام بالأمن من المضار قال: {ولا يرهق} أي يغشي ويلحق {وجوههم قتر} أي غبرة كغبره الموت وكربة، وهو تغير في الوجه معه سواد وعبوسة تركبهما غلبة {ولا ذلة} أي كآبة وكسوف يظهر منه الانكسار والهوان.
ولما كان هذا واضحًا في أنهم أهل السعادة، وصل به قوله: {أولئك} أي العالو الرتبة {أصحاب الجنة} ولما كانت الصحبة جديرة بالملازمة، صرح بها في قوله: {هم} أي لا غيرهم {فيها} أي خاصة {خالدون} أي مقيمون لا يبرحون، لأنهم لا يريدون ذلك لطيبها ولا يراد بهم. اهـ.

.قال الفخر:

{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} اعلم أنه تعالى لما دعا عباده إلى دار السلام، ذكر السعادات التي تحصل لهم فيها فقال: {لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى وَزِيَادَةٌ} فيحتاج إلى تفسير هذه الألفاظ الثلاثة.
أما اللفظ الأول: وهو قوله: {لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ} فقال ابن عباس: معناه: للذين ذكروا كلمة لا إله إلا الله.
وقال الأصم: معناه: للذين أحسنوا في كل ما تعبدوا به، ومعناه: أنهم أتوا بالمأمور به كما ينبغي، واجتنبوا المنهيات من الوجه الذي صارت منهيًا عنها.
والقول الثاني: أقرب إلى الصواب لأن الدرجات العالية لا تحصل إلا لأهل الطاعات.
وأما اللفظ الثاني: وهو {الحسنى} فقال ابن الأنباري: الحسنى في اللغة تأنيث الأحسن، والعرب توقع هذه اللفظة على الحالة المحبوبة والخصلة المرغوب فيها، ولذلك لم تؤكد، ولم تنعت بشيء، وقال صاحب الكشاف: المراد: المثوبة الحسنى.
ونظير هذه الآية قوله: {هَلْ جَزَاء الإحسان إِلاَّ الإحسان} [الرحمن: 60].
وأما اللفظ الثالث: وهو الزيادة.
فنقول: هذه الكلمة مبهمة، ولأجل هذا اختلف الناس في تفسيرها، وحاصل كلامهم يرجع إلى قولين:
القول الأول: أن المراد من منها رؤية الله سبحانه وتعالى.
قالوا: والدليل عليه النقل والعقل.
أما النقل: فالحديث الصحيح الوارد فيه، وهو أن الحسنى هي الجنة، والزيادة هي النظر إلى الله سبحانه وتعالى.
وأما العقل: فهو أن الحسنى لفظة مفردة دخل عليها حرف التعريف، فانصرف إلى المعهود السابق، وهو دار السلام.
والمعروف من المسلمين والمتقرر بين أهل الإسلام من هذه اللفظة هو الجنة، وما فيها من المنافع والتعظيم.
وإذا ثبت هذا، وجب أن يكون المراد من الزيادة أمرًا مغايرًا لكل ما في الجنة من المنافع والتعظيم، وإلا لزم التكرار.
وكل من قال بذلك قال: إنما هي رؤية الله تعالى.
فدل ذلك على أن المراد من هذه الزيادة: الرؤية.
ومما يؤكد هذا وجهان: الأول: أنه تعالى قال: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إلى رَبّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22، 23] فأثبت لأهل الجنة أمرين: أحدهما: نضرة الوجوه والثاني: النظر إلى الله تعالى، وآيات القرآن يفسر بعضها بعضًا فوجب حمل الحسنى هاهنا على نضرة الوجوه، وحمل الزيادة على رؤية الله تعالى.
الثاني: أنه تعالى قال لرسوله صلى الله عليه وسلم: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا} [الإنسان: 20] أثبت له النعيم، ورؤية الملك الكبير، فوجب هاهنا حمل الحسنى والزيادة على هذين الأمرين.
القول الثاني: أنه لا يجوز حمل هذه الزيادة على الرؤية.
قالت المعتزلة ويدل على ذلك وجوه: الأول: أن الدلائل العقلية دلت على أن رؤية الله تعالى ممتنعة.
والثاني: أن الزيادة يجب أن تكون من جنس المزيد عليه، ورؤية الله تعالى ليست من جنس نعيم الجنة.
الثالث: أن الخبر الذي تمسكتم به في هذا الباب هو ما روي أن الزيادة، هي النظر إلى وجه الله تعالى، وهذا الخبر يوجب التشبيه، لأن النظر عبارة عن تقليب الحدقة إلى جهة المرئي.
وذلك يقتضي كون المرئي في الجهة، لأن الوجه اسم للعضو المخصوص، وذلك أيضًا يوجب التشبيه.
فثبت أن هذا اللفظ لا يمكن حمله على الرؤية، فوجب حمله على شيء آخر، وعند هذا قال الجبائي: الحسنى عبارة عن الثواب المستحق، والزيادة هي ما يزيده الله تعالى على هذا الثواب من التفضل.
قال: والذي يدل على صحته، القرآن وأقوال المفسرين.
أما القرآن: فقوله تعالى: {لِيُوَفّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مّن فَضْلِهِ} [فاطر: 30].
وأما أقوال المفسرين: فنقل عن علي رضي الله عنه أنه قال: الزيادة غرفة من لؤلؤة واحدة.
وعن ابن عباس: أن الحسنى هي الحسنة، والزيادة عشر أمثالها وعن الحسن: عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وعن مجاهد: الزيادة مغفرة الله ورضوانه.
وعن يزيد بن سمرة: الزيادة أن تمر السحابة بأهل الجنة فتقول: ما تريدون أن أمطركم.
فلا يريدون شيئًا إلا أمطرتهم.
أجاب أصحابنا عن هذه الوجوه فقالوا: أما قولكم إن الدلائل العقلية دلت على امتناع رؤية الله تعالى فهذا ممنوع، لأنا بينا في كتب الأصول أن تلك الدلائل في غاية الضعف ونهاية السخافة، وإذا لم يوجد في العقل ما يمنع من رؤية الله تعالى وجاءت الأخبار الصحيحة بإثبات الرؤية، وجب إجراؤها على ظواهرها.
أما قوله الزيادة يجب أن تكون من جنس المزيد عليه.
فنقول: المزيد عليه، إذا كان مقدرًا بمقدار معين، وجب أن تكون الزيادة عليه مخالفة له.
مثال الأول: قول الرجل لغيره: أعطيتك عشرة أمداد من الحنطة وزيادة، فههنا يجب أن تكون تلك الزيادة من الحنطة.
ومثال الثاني: قوله أعطيتك الحنطة وزيادة، فههنا يجب أن تكون تلك الزيادة غير الحنطة، والمذكور في هذه الآية لفظ {الحسنى} وهي الجنة، وهي مطلقة غير مقدرة بقدر معين، فوجب أن تكون تلك الزيادة عليها شيئًا مغايرًا لكل ما في الجنة.
وأما قوله: الخبر المذكور في هذا الباب، اشتمل على لفظ النظر، وعلى إثبات الوجه لله تعالى، وكلاهما يوجبان التشبيه.
فنقول: هذا الخبر أفاد إثبات الرؤية، وأفاد إثبات الجسمية.
ثم قام الدليل على أنه ليس بجسم، ولم يقم الدليل على امتناع رؤيته، فوجب ترك العمل بما قام الدليل على فساده فقط، وأيضًا فقد بينا أن لفظ هذه الآية يدل على أن الزيادة هي الرؤية من غير حاجة تنافي تقرير ذلك الخبر، والله أعلم.
واعلم أنه تعالى لما شرح ما يحصل لأهل الجنة من السعادات، شرح بعد ذلك الآفات التي صانهم الله بفضله عنها، فقال: {وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ} والمعنى: لا يغشاها قتر، وهي غبرة فيها سواد {وَلاَ ذِلَّةٌ} ولا أثر هوان ولا كسوف.
فالصفة الأولى: هي قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ} [عبس: 40].
والصفة الثانية: هي قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشعة عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ} [الغاشية: 2، 3] والغرض من نفي هاتين الصفتين، نفي أسباب الخوف والحزن والذل عنهم، ليعلم أن نعيمهم الذي ذكره الله تعالى خالص غير مشوب بالمكروهات، وإنه لا يجوز عليهم ما إذا حصل غير صفحة الوجه، ويزيل ما فيها من النضارة والطلاقة، ثم بين أنهم خالدون في الجنة لا يخافون الانقطاع.
واعلم أن علماء الأصول قالوا: الثواب منفعة خالصة دائمة مقرونة بالتعظيم، فقوله: {والله يَدْعُواْ إِلَى دَارُ السلام} [يونس: 25] يدل على غاية التعظيم.
وقوله: {لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى وَزِيَادَةٌ} يدل على حصول المنفعة وقوله: {وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ} يدل على كونها خالصة وقوله: {أُوْلَئِكَ أصحاب الجنة هُمْ فِيهَا خالدون} إشارة إلى كونها دائمة آمنة من الانقطاع والله أعلم. اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى} للذين وحدوا الله وأطاعوه في الدنيا لهم الجنة في الآخرة {وَزِيَادَةٌ}، أي فضلًا.
قال عامة المفسرين: الزيادة هي النظر إلى وجه الله تعالى، وهكذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أبي بكر الصديق، وحذيفة بن اليمان، وأبي موسى الأشعري وغيرهم قال الفقيه: حدثنا الخليل بن أحمد قال: حدثنا أبو العباس السراج قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال: حدثنا عفان بن مسلم، عن حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى وَزِيَادَةٌ} ثم قال: «إذا دَخَلَ أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ وَدَخَلَ أهْلُ النَّارِ النَّارَ، نَادَى مُنَادٍ: يا أَهْلَ الجَنَّةِ، إنَّ لَكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ مَوْعِدًا يُحِبُّ أنْ يُنْجِزَكُمُوهُ فَيَقُولُونَ وَمَا هُوَ؟ ألَمْ يُثَقِّلْ مَوَازِينَنَا وَلَمْ يُبَيِّضْ وُجُوهَنَا، وَأَدْخَلَنَا الجَنَّة، وَنَجَّانا مِنَ النَّار؟ قالَ: ثُمَّ يُكْشَفُ الحِجَابُ فَيَنْظُرُونَ إلى الله تَعَالَى، فَوَالله مَا أعْطَاهُمْ شَيْئًا أحَبَّ إلَيْهمُ مِنَ النَّظَر إلى وَجْه الله تعالى».
قال الفقيه رضي الله عنه: وأخبرنا الثقة بإسناده، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وحذيفة قالا: الزيادة، النظر إلى وجه الله تعالى.
وعن أبي موسى الأشعري قال: الحسنى، هي الجنة، والزيادة النظر إلى وجه الله تعالى.
وعن عامر بن سعد، وقتادة، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعكرمة مثله.
قال الفقيه: سمعت محمد بن الفضيل العابد قال: سمعت علي بن عاصم قال أجمع أهل السنة والجماعة أن الله تعالى لم يره أحد من خلقه في الدنيا.
وأن أهل الجنة يرونه يوم القيامة؛ وقال الزجاج: القول في النظر إلى وجه الله تعالى كثير في القرآن، والتفسير مروي بالأسانيد الصحاح أنه لا شك في ذلك.
وقال مجاهد: {لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى وَزِيَادَةٌ} قال: الحسنى مثلها، والزيادة المغفرة والرضوان.
وروي عن علقمة قال: الحسنى مثلها، وزيادة عشر أمثالها.
ويقال: الحسنى الجنة وما فيها من الكرامة، والزيادة ما يأتيهم كل يوم من التحف والكرامات من الله تعالى، فيأتيهم رسول رب العالمين فيقول لهم: أنا رضيت عنكم، فهل رضيتم عني؟.
ثم قال تعالى: {وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ}، يعني: لا يعلو ولا يغشى وجوههم سواد وهو كسوف الوجوه عند معاينة النار، ويقال: حزن ولا ذلة يعني: ولا مذلة.
{أُوْلَئِكَ أصحاب الجنة هُمْ فِيهَا خالدون}، يعني: دائمين. اهـ.